معرفة اسم الله الجبار

نشرت بواسطة مدونة إيمي البخاري في الاثنين، 21 يوليو 2014 0 التعليقات

جبر فلان فلاناً أي أغناه من فقر أو أصلح عظمه من كسر، وجبر الله فلاناً أي سد حاجته.. وأجبره على الأمر أي أكرهه عليه, وجبرت الفقير أي أغنيته، وكلمة جبار بدون ألف ولام... والتعريف تستخدم كصفة من صفات لأفراد، وفي هذه الحالة تكون بمعنى القهر والطغيان والتكبر.. فهي في حقّ الإنسان صفة ذميمة، ويتجلى ذلك في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:   
{...... وَعَصَوا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ"59"}[ سورة هود].  
{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ"15"}[سورة إبراهيم].  
 {.... كَذّلِكَ يَطبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ"35"}[سورة غافر].  
 ولذلك ينفي الحقّ جلّ وعلا عن نبيه يحيى عليه السلام هذه الصفة لقوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَأَتَينَاهُ الحُكْمَ صَبِياً "12" وَحَنَاناً مِنّ لَّدُناً وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِياً "13" وَبَرّاً بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً "14" وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وَلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً"15"}[سورة مريم]. 
 كما نفاها عن نبيه عيسى عليه السلام  فقال على لسانه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِي الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً "30" وَجَعَلَنِي مُبَارَكَاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياً "31" وَبَرَّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّاراً شَقِيّاً"32"}[سورة مريم].
ونفي الجبر هنا هو نفي للطغيان وللقهر والتحكم في مخلوقات الله عزّ وجلّ لمنافع وأهواء شخصية... 
أما (الجبار) بألف ولام التعريف فهو اسم من أسماء الله الحسنى.. وإن كانت صفة الجبر كوصف للمخلوق صفة ذميمة، فهي في حقّ الله عزّ وجلّ من الصفات الواجبة لكماله المطلق؛ لأنها تعني أنَّ الحقّ جلّ وعلا يحب جبر كسر عباده، والجبار في حق الله تعالى هو الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل عبد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، ويظهر أحكامه قهراً، ولا يخرج عبد عن قبضة تقديره، وليس ذلك إلا لله تعالى، وجاء في حديث الإمام علي قوله: - جبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها-  أي أنه أجبر القلوب شقيها وسعيدها على ما فطرها عليه من معرفته، وقد تطلق كلمة الجبار على العبد مدحاً له وذلك في العبد المحبوب لله، الذي يكون جباراً على نفسه.. جباراً على الشيطان محترساً من العصيان... والجبار هو المتكبر، والتكبر في حقّ الله وصف محمود، وفي حق العباد وصف مذموم ، فهو تبارك وتعالى الجبار الذي جبر الفقير حين شرع الزكاة والصدقات.. وجعل الحسنة بعشر أمثالها وبسبعمائة ضعف قابلة للزيادة... وعلمنا أنَّ الصدقة توضع في يده قبل أنْ توضع في يد الفقير... وهو الذي جبر المريض حين جعل له أجراً إذا تقبل البلاء بالصبر والرضا بقضاء الله عزّ وجلّ، وجعل زيارته زيارة له عزّ وجلّ.      
وهو الذي يجبر عباده الطائعين له بأن يتولاهم برعايته وحفظه... فيشعرون بأنه عزّ وجلّ معهم في كل وقت وحين, كمثل الضرير الفقير الذي يعبد الله حقّ عبادته ويتوكل عليه حقّ التوكل... كان إذا وضع يده في جيبه يبحث عن مبلغ من المال ليقضي به حاجة في نفسه... إما أن يجد مبلغاً من المال لا يذكر من أين أتاه، أو يأتيه من يرد عليه السلام فيعطيه من المال ما يغطي حاجته. 
ومن معاني الجبار أيضاً أنه سبحانه وتعالى قاهر يدين له كل شيء ويخضع له من سواه... والجبر بهذا المعنى ليس وصفاً ذميماً في حقّ الله عزّ وجلّ؛ لأنه تبارك وتعالى منزه عن كل ما يناقض كماله المطلق... فالجبروت البغيض المذموم هو أن تقهر إنساناً على ما لا يريد، والحقّ تبارك وتعالى لا يفعل ذلك... وإذا قهر جلّ وعلا مخلوقاً على شيء فثق أن في هذا القهر مصلحة حتى وإن عجزت عن إدراكها.
خذ على سبيل المثال: جسم الإنسان والذي يتكون من عدة أجهزة كالجهاز الهضمي والتنفسي والعصبي وخلافه... تجد أنَّ هذه الأجهزة مقهورة قهراً إلهياً على العمل بالنحو الذي تعمل به... فالقلب مثلاً يعمل بلا أدنى تدخل من الإنسان، كما أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يوقف قلبه عن العمل، وهكذا شأن سائر الأجهزة... كلها تعمل بنظام ثابت ومحكم بلا تدخل من الإنسان لأنها مقهورة على أن تقوم بهذا العمل أو ذاك، فالقهر هنا نعمة من نعم الله عزّ وجلّ على الإنسان.. وينبغي أن نحمده على جبروته الذي أخضع له هذه الأجهزة.
وإذا تأملت أيضاً النظام الكوني، وعلى وجه الخصوص المجموعة الشمسية تجد أنَّ الشمس تدور حول نفسها بسرعة معينة... كذلك الأرض وسائر الكواكب الأخرى تدور حول نفسها بما يترتب على ذلك من تعاقب الليل والنهار.. وتدور أيضاً حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب فصول السنة.. وهذه الدورات تتم في تناسق معجز يكفل انتظام تعاقب الليل والنهار.. وانتظام تعاقب فصول السنة... ما الذي يجعل هذه الكواكب - والتي هي أجسام جامدة - تسير كأنها كائنات عاقلة حكيمة... إنه الجبروت الإلهي... الذي أخضع هذه الأجسام للإرادة الإلهية... وهذا أيضاً يستلزم منا الحمد لله عزّ وجلّ؛ لأنه لو لم يقهر الكون على هذا العمل المحكم المنظم لما دامت لنا حياة على الأرض.
فالجبار كاسم ووصف من أوصاف الحقّ عزّ وجلّ.. يمثل صفة من الصفات الواجبة لكماله المطلق عزّ وجلّ.. وإذا كان الجبر يرادف القهر في أحد معانيه... فإنه قهر يحقق النفع والمصلحة للإنسان ويدفع عنه الضرر... ومن معاني الجبروت أيضاً أنَّ الحقّ جلّ وعلا يُمهل الظالم ويمد له مداً لعله يتذكر أو يخشى، فإذا أصر على ظلمه وتمادى في عناده أخذه تبارك وتعالى أخذ عزيز مقتدر.. وقد رأينا ذلك في قصة قارون والتي أخبرنا الحقّ عزّ وجلّ عنها فقال: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ "76" وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ "77" قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ "78" فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ "79" وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ "80" فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ "81" وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ "82"}[سورة القصص].                           
وكذلك أخذ الله عزّ وجلّ بجبروته قوم لوط حين أصروا على الفاحشة، فكانوا يأتون الرجال شهوة، ويقطعون السبيل ويفعلون المنكر، وأخبرنا المولى عنهم فقال: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ "28" أَئِنَّكُمْ لَتَأتُونَ الرّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُوا ائتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ"29" قَالَ رَبِّ انصُرنِي عَلَى القَوْمِ المُفْسِدِينَ "30" وَلَمَا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبرَاهِيمَ بِالبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ"31" قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِيّنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ "32" وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِِىءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إلا امرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ "33" إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ القَريَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ "34" وَلَقَد تّرَكْنَا مِنْهَا آيَةَ بَيِنّةً لِقَومٍ يَعْقِلُونَ"35"}[سورة العنكبوت].
ورأينا كيف أخذ الله عزّ وجلّ فرعون وقومه بجبروته حين أصروا على العناد والكفر وفي ذلك يقول جلّ وعلا: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى "77" فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعُونُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيهُم مِّن اليَمِّ مَا غَشِيهُمْ "78" وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى"79"}[سورة طه].                                                                
إنَّ الجبر الإلهي بكل معانيه صفة من صفات الكمال الإلهي المطلق... ولا يستعمل الحقّ جلّ وعلا جبروته في موضع إلا تحقيقاً لخير أو دفعاً لشر... وهو سبحانه مستحق للحمد على جبروته كما هو مستحق الحمد على رحمته ومغفرته وكرمه.. فهو كما أخبر عن نفسه: {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهَ عَمَّا يُشْرِكُونَ"23"}[سورة الحشر]
فسبحان الله تعالى الجبار.

المراجع
القرآن الكريم
رياض الصالحين
مختار الصحاح
غزيرة.. أم تقدير إلهي... للدكتور شوقي أبو خليل
من آيات الإعجاز العلمي .................للدكتور زغلول النجار
موسوعة الحديث النبوي الشريف (الصحاح والسنن والمسانيد) 
موقع طريق القرآن...  www.quranway.net
موقع روح الإسلام...  www.islamspirit.com

من كتاب أبواب المعرفة ج1 بقلم: إيمي البخاري








0 التعليقات to معرفة اسم الله الجبار

إرسال تعليق