معرفة اسم الله المهيمن

نشرت بواسطة مدونة إيمي البخاري في الأحد، 20 يوليو 2014 0 التعليقات

قال تعالى: {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ.."23"[سورة الحشر].                                              
هيمن على شيء أي سيطر عليه... والهيمنة هي القيام على الشيء والرعاية له، و(المهيمن) هو المسيطر، وهو الرقيب أو الشاهد، والرقيب اسم من أسماء الله تبارك وتعالى معناه الرقيب الحافظ لكل شيء، المبالغ في الرقابة والحفظ، أو المشاهد العالم بجميع الأشياء، بالسر والنجوى، السامع للشكر والشكوى، الدافع للضر والبلوى، وهو الشاهد المطلع على أفعال مخلوقاته، وهو الذي يشهد الخواطر، ويعلم السرائر، ويبصر الظواهر، وهو المشرف على أعمال العباد، القائم على الوجود بالحفظ والاستيلاء، فالحقّ سبحانه وتعالى مهيمن على كونه منذ لحظة خلقه.. وهيمنته مستمرة إلى أن تقوم الساعة، فينال كل عامل جزاء عمله؛ وهذه الهيمنة الإلهية لها صور وآثار لا تحصى... منها أنَّ كل شيء يحدث في الكون يحدث بأمره عزّ وجلّ.. 
فالخلق كان بأمره كما جاء في الحديث القدسي: [كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبه عرفوني]
وبعد الخلق.. كل شيء يحدث في الكون يحدث بأمره عزّ وجلّ ومشيئته، وأمر الله عزّ وجلّ لا يقف دونه حائل، وهذا من مقتضيات الهيمنة كما قال عزّ وجلّ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونَ "82"}[سورة يس].         
وكما قال سبحانه: {...... وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ"21"}[سورة يوسف].                                               
وجميع المخلوقات الكونية تؤدي عملها بأمره عزّ وجلّ.. السفن العملاقة التي تجري في البحر، تجري بأمره.. فإذا قيل: إنها تسير وفقاً لقانون الطفو كقول أدعياء العلم!! نقول لهم: إن أمر الله هو الذي أوجد هذا القانون.. فهو الذي شاء للأجسام الأقل كثافة من الماء أن تطفو على السطح، والأكبر كثافة أن تغوص.. ولو شاء أن تغوص كل الأجسام في الماء لغاصت.. ولرصد العلماء هذه الظاهرة وصار القانون أن جميع الأجسام تغوص في الماء، لذلك قال سبحانه وتعالى: {وَآَيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتُهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ "41" وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثلِهِ مَا يَرْكَبُونَ "42" وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ "43" إِلا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ "44"}[سورة يس]. 
{... وَسَخَّرَ لَكُمْ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّر لَكُمُ الأَنْهَارَ "32"}[سورة إبراهيم].                                                            
والشمس والقمر وسائر الكواكب والنجوم كلها تدور في فلكها بأمره عزّ وجلّ... وهذه المسألة أعيّت الشيوعيين الملحدين والذين يفسرون نشأة الكون تفسيراً مادياً حيث جاءوا عندها وتساءلوا: إذا كنا قد فسرنا نشأة الكون على أنها حاصل تراكمات للعديد من التفاعلات الكيميائية عبر ملايين السنين... فكيف نفسر هذا النظام المحكم الدقيق لحركة الأفلاك؟ ولكن القرآن الكريم يجيب على هذا التساؤل إجابة شافية فيقول: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ "54"}[سورة الأعراف].
فإليه ترجع عاقبة الأمور.. هو الذي يفصل فيها بإرادته.. وإرادته نافذة، ومشيئته متحققة.. وفي ذلك قال جلّ وعلا: {وَللهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ"109"}[سورة آل عمران]. 
{.... لِيَقْضِىَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ"44"}[سورة الأنفال].                                                 
والله عزّ وجلّ لا يهيمن على الظواهر الكونية فحسب... بل تمتد هيمنته لتشمل الأحداث البشرية.. فكلها تحدث بأمره، قال جلّ وعلا: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "22" لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا  يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"23"}[سورة الحديد].                                                              
ومن مظاهر هذه الهيمنة الإلهية أيضاً أنه سبحانه وتعالى يعلم كل صغيرة وكبيرة في كونه.. وهذا أمر بديهي لأنه الخالق؛ ولأن كل ما يقع في الكون يقع بأمره.. وقد أكد عزّ وجلّ هذه الحقيقة فقال: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"59"}[سورة الأنعام].
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"61"}[سورة يونس].
ومن هيمنته سبحانه وتعالى أنه يتولى كونه بالرعاية والحفظ... حتى يظل هذا الكون على ما هو عليه من ثبات وعلى نظام محكم دقيق... ولو كان تبارك وتعالى ممن تأخذهم سنة أو نوم لاختل النظام الكوني وانتهى إلى الفناء والعدم، ويخبرنا الحقّ جلّ وعلا عن هذا الثبات الكوني والذي هو حادث بهيمنته عزّ وجلّ فيقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرِّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ"38"والقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرْجُونِ القَدِيمِ"39" لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تَدْرِكَ القَمَرَ وَلا الَّليْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"40"}[سورة يس].                                     
فالمخلوقات الكونية جميعها تلتزم مداراتها الخاصة، فلا يخرج كوكب عن مداره ليصدم كوكباً آخر... كل مخلوق يعرف مكانه ويعرف عمله فلا يخرج عن هذا ولا ذاك... وقد ذكرنا أنَّ من الصفات الخاصة للحقّ جلّ وعلا القيومية والتي تعني قيامه بنفسه قياماً مطلقاً.. أي لا يحتاج إلى غيره في شيء.. فهو جلّ وعلا موجود غير مخلوق.. فلا خالق له حتى يشعر بالافتقار إلى خالقه وهو سبحانه لا يجوع فيحتاج إلى طعام.. أو يعطش فيحتاج إلى شربة ماء.. ولا يتعب فيلتمس الراحة في استرخاء أو نوم أو حتى سنة من النوم.. ولا يشعر بوحشة فيحتاج إلى مؤنس أو صاحبة أو ولد.
وكما أنه تبارك وتعالى قائم بذاته فإنه مقيم لغيره.. فمخلوقاته قائمة به منذ أن خلقها ووفر لها مقومات حياتها.. وهو الذي تكفل برعايتها وحفظها حتى تؤدي غاية الله من خلقها.. وحِفْظُ المخلوقات من أظهر الآثار على هيمنة الحقّ جلّ وعلا على كونه، فلو أنه لم يتول هذه المخلوقات بالرعاية والحفظ لما دامت على ما هي عليه، ويخبرنا عزّ وجلّ عن هذا الحفظ فيقول: {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ "255"}[سورة البقرة]. 
وهذه الآية الكريمة تشير إلى حفظ الحقّ جلّ وعلا لملكه سواء أُريد بهذا الحفظ.. الحفظ من الخلل والأعطاب والفناء، أو أُريد به الحفظ من حيث العدد والصفات وما إلى ذلك، فالحفظ بمعنييه متحقق بالنسبة لله عزّ وجلّ.. ويجب أن نأخذ قول الحقّ (وسع كرسيه) في إطار ليس كمثله شيء، والكرسي في اللغة من الكرس، والكرسي هو التجميع، ومنه الكراسة وهي عدة أوراق مجمعة.
وكلمة "كرسي" استعملت في اللغة بمعنى الأساس الذي يبني عليه الشيء، فمادة (الكرس) الكاف والراء والسين تدل على التجميع، وتدل على الأساس الذي تثبت عليه الأشياء، فنقول: اصنع لهذا الجدار كرسياً، أي ضع لهذا الجدار أساساً يقوم عليه.. وتطلق على القوم العلماء الذين يقوم بهم الأمر فيما يشكل من الأحداث.. والشاعر العربي قال: "كراسي في الأحداث حين تنوب" أي يعتمد عليهم في الأمور الجسيمة.. وحين ينسب شيء من ذلك للحقّ سبحانه وتعالى، فإن للسلف هنا كلاماً، وللخلف كذلك.
يقول السلف: كما قال الله نأخذها ولكن نضع كيفيتها وتصورها في إطار (ليس كمثله شيء) وبعضهم قال: نؤولها بما يثبت له صفة من الصفات، كما يثبتون قدرة الحقّ بقوله الحكيم: {..... يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ..."10"}[سورة الفتح].                                     
أي أنَّ قدرة الله فوق قدرتهم، وكما قال سبحانه عن قدرته في الخلق: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ "47"}[سورة الذاريات]. 
إنَّ كمال قدرة الله أحكم خلق السماء، والحقّ سبحانه مقدس ومنزه عن أن يتصور المخلوق كلمة (يد) بالنسبة له.. ونحن نقول: الله قال ذلك فيجب أن نأخذها كما قال، لأنه سبحانه أعلم بذاته ونفسه، ونحيلها إلى كونه تعالى ليس له شبيه أو نظير.. والعلماء قالوا عن الكرسي: أنه ما يعتمد عليه، فهل المقصود علمه؟ نعم.. وهل المقصود سلطانه وقدرته؟ نعم، لأنَّ كلمة (كرسي) توحي بالجلوس فوقه، والإنسان لا يجلس إلا إذا استتب له الأمر ولذلك يسمونه (كرسي الملك) لأنَّ الأمر الذي يحتاج إلى قيام وحركة؛ لا يجعلك تجلس على الكرسي، فعندما تقعد على الكرسي، فمعنى ذلك أنَّ الأمر قد استتب.. إذن: فهو بالنسبة لله السلطان، والغلبة والقهر، والقدرة... أو نقول: مادام قال: (وسع كرسيه السماوات والأرض) فالقصد دخول السماوات والأرض في وسعه واحتماله.. ونحن نعلم أنَّ السماوات والأرض وما فيهن كائنات كبيرة بالنسبة لنا.. فعندما يقول الحقّ عزّ وجلّ: أنَّ الكرسي قد وسعها.. نفهم من ذلك أن الكرسي أعظم من السماوات والأرض أي دخل في وسعه السماوات والأرض، ولذلك يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عليه وأرضاه سألت النبي صل الله عليه وسلم عن الكرسي فقال: [ يا أبا ذر: ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة. وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة].
والبشرية بكل ما وصلت له من إنجازات علمية قد وصلت إلى القمر فقط وهو مجرد ضاحية من ضواحي الأرض، ومفصول عنا بمسافة تقاس بالثواني الضوئية.. ولقد تعودنا في حياتنا أن نستخدم وحدات الميل والكيلومتر لقياس الأطوال والأبعاد الكبيرة، لكننا اكتشفنا أنَّ هذه الوحدات ليست ذات نفع في قياس أبعاد النجوم، فالشمس مثلاً تبعد عن الأرض ثلاثة وتسعين مليون من الأميال، لذلك وضع علماء الفلك وحدة ملائمة لقياس أبعاد النجوم وهي ما نسميه بالنسبة الضوئية.. ونحن نذهل عندما نعرف أنَّ بعض النجوم يصل ضوءها إلينا في خمسين سنة ضوئية، كل ذلك ونحن لم نصل بعد إلى السماء الدنيا، فما بالنا ببقية السماوات؟
إذن فحدود ملك الله فوق تصورنا... لذلك نتساءل أي عظمة هي عظمة كرسي ذي الجلال والإكرام؟ 
الحقّ عزّ وجلّ يقول: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما).....   ومعنى أده الشيء.. أي أثقله.. وحتى نفهم ذلك هب أن إنساناً يستطيع أن يحمل عشرة كيلو جرامات، فإن زدنا هذا الحمل إلى عشرين من الكيلو جرامات فإن الحمل يثقل عليه، ويجعل عموده الفقري معوجاً حتى يستطيع أن يقاوم الثقل، فإن زدنا الحمل أكثر فقد يقع الرجل على الأرض من فرط زيادة الوزن!! 
إذن: فمعنى (ولا يؤده حفظهما) أي أنه لا يثقل على الله حفظ السماوات والأرض.. إنَّ السماء والأرض وهما فوق اتساع رؤية البشر، قد وسعهما الكرسي الرباني.
وقال بعض المفسرين: إذا كان الكرسي لا يثقل عليه حفظ السماوات والأرض فما بالنا بصاحب الكرسي؟ 
هاهو ذا الحقّ سبحانه وتعالى يطمئننا فيقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً "41"}[سورة فاطر].            
إنه الحقّ وحده تبارك وتعالى الذي يحفظ السماوات والأرض في توازن عجيب ومذهل، ولئن قدر لهما أن تزولا.. فلن يحفظهما أحد بعد الله، أي لا يستطيع أحد إمساكهما، فهما قائمتان بقدرة الواحد القهار، وإذا أراد الله أن تزولا فلا يستطيع أحد أن يمسكهما ويمنعهما من الزوال.. وقد بدأ الحقّ جلّ وعلا آية الكرسي بإثبات بعض الصفات له وهي الحي.. القيوم.. وكونه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم.. ويستلزم قيوميته أو قيامه سبحانه وتعالى بذاته وإقامته لغيره.. ويستلزم أن يكون له الملك حتى يتصرف في ملكه كيف يشاء... ويحدثنا تبارك وتعالى عن هذا الحفظ وهذه الرعاية الدائمة فيقول: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ "16" وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ "17" إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ "18"}[سورة الحجر].
ويحدثنا عزّ وجلّ عن حفظه لبني آدم فيقول: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ "61" ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ "62" قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ"63" قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ "64"}[سورة الأنعام].
 ومن مظاهر هيمنة الحقّ عزّ وجلّ على ملكه أنه يملك أن يزيد فيه أو ينقص منه ما يشاء ويعطينا عزّ وجلّ مثال على ذلك في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ٌ"}[سورة فاطر].
والكون ليس أزلياً أبدياً كما يعتقد بعض الملحدين.. فلا جدال في كونه مخلوق له بداية لم يكن موجوداً قبلها، واستمراريته على هذا النحو من الثبات والانتظام ترجع إلى رعاية وحفظ الله له، وحين تشاء إرادته عزّ وجلّ لهذا العالم أن ينتهي.. سينتهي وسيختل النظام، وهذا ما سيحدث يوم القيامة، كما صوره الحقّ في العديد من الآيات القرآنية فقال سبحانه: {إِذَا زَلزِلَتِ الأَرْضُ زِلزَالَهَا "1" وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا "2" وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا "3" يَوْمَئِذٍ تَحَدِّثُ أَخْبَارَهَا "4" بِأنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا "5" يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ "6" فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ "7" وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ"8"}[سورة الزلزلة]. 
وقال عزّ وجلّ:{إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ "1" وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ "2" وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ"3" وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ "4" وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ "5"يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ "6"}[سورة الانشقاق]. 
{القَارِعَةُ "1" مَا القَارِعَةُ "2" وَمَا أَدْرَاكَ مَا القَارِعَةُ "3"يَْومَ يَكُونُ النَّاسُ كَالفَرَاشِ المَبْثُوثِ"4" وَتَكُونُ الجِبَالُ كَالعِهْنِ المَنفُوشِ "5"فَأَمَا مَن ثَقُلَتْ مَوَازينُهُ"6" فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيةٍ "7" وَأَمَا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ "8" فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ "9" وَمَا أَدْرَاكَ مَاهِيَةْ"10" نَارٌ حَامِيةٌ"11"}[سورة القارعة]. 
جميع الآيات السابقة تصف لنا هول القيامة، ونفهم منها أنَّ هذا الثبات وهذا النظام الدقيق المحكم الذي ظنّ الملحدون أنه أزّلي أبدي سوف يتحطم وينقلب رأساً على عقب، وساعتها سيدرك الجميع أنَّ الكون كان يسير بأمر الله ورعايته وحفظه، وأنه حين شاء له النهاية.. كانت النهاية.. وينبغي ألا ننسى أن هيمنة الحقّ جلّ وعلا تمتد لتشمل قلوب عباده، ويوم القيامة خير دليل على ذلك.. فالناس في هذا اليوم قسمان:
* قسم تبلغ قلوبهم الحناجر من شدة الخوف والرعب. 
* وقسم من الفزع يومئذ آمنون .. 
فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء..؟ وليس أدل على ذلك من أنَّ الموقف يوم القيامة موحد على الجميع ولكن المشاعر شتى.. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهيمن على قلوبنا يوم الفزع الأكبر ويهبنا الثبات والسكينة والطمأنينة.. فهو عزّ وجلّ كما وصف نفسه: {هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهَ عَمَّا يُشْرِكُونَ"23"}[سورة الحشر].  
فسبحان الله تعالى المهيمن.

المراجع
القرآن الكريم
رياض الصالحين
مختار الصحاح
غزيرة.. أم تقدير إلهي... للدكتور شوقي أبو خليل
من آيات الإعجاز العلمي .................للدكتور زغلول النجار
موسوعة الحديث النبوي الشريف (الصحاح والسنن والمسانيد) 
موقع طريق القرآن...  www.quranway.net
موقع روح الإسلام...  www.islamspirit.com

من كتاب أبواب المعرفة ج1 بقلم: إيمي البخاري

0 التعليقات to معرفة اسم الله المهيمن

إرسال تعليق